الصفحة الرئيسية

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

تنفيسـه !!






المشهد الأول والأخير:
 المتهم "أحمد زكي" يسأل المحامي المكلف بالدفاع عنه "محمود المليجي" عن سبب قبوله قضيته رغم معرفته مسبقاً بأنه سيخسرها !!، فيجيبه المليجي بمرارة: تنفيسه
 ويكمل: "تنفيسه لي ولك, كلمه حلوه نقولها، صحفي يلقط مننا لمحة نظيفة، قاضي تفلت منه كلمة شجاعة ،، أهي تنفيسه للكل".
 وبعدها يكمل المليجي بعبقرية حواره ولا أتوقع أحد ينسى كلمته الشهيرة في هذا المشهد: وعاوزني أكسبها !!
 شخصياً أعتبر هذا أحد أهم وأعظم مشاهد السينما العربية على الإطلاق.

 كلاكيت للمرة المليون:
 لدي قناعة بأن الشعوب يمكنها العيش مع الحكومات الديكتاتورية تسلبها كل شيء، ولكن تمنحها "الأمان" والقليل من التنفيس.
 الشواهد كثيرة، فقط حاول أن تتذكر أي شعب تعايش بصمت مع حكم ديكتاتوري وأبحث عن مساحة التنفيس وشكله التي كان يتمتع بها. وفقط حينما تتصف تلك الحكومات بالغباء وتبدأ بمضايقة الناس بأمنها ومساحة التنفيس تلك، هنا يبدأ العبث الحقيقي وتخرج الشعوب ثائرة على كل شيء قد صمتت عنه زمناً طويلاً.

 سكوووت ح نصور:
 حالة المواطن العربي بشكل عام، لا تختلف كثيراً عن هذا المبدأ بالرغم من التفاوت في شكل التنفيس وحالة الديكتاتورية التي تحكمه، وقد تكون السينما والمسرح في بعضها هي "لعبة التنفيس" التي سمح بها النظام هناك، وفي بعضها الأخر كانت الصحافة هي الخلاص، وبعضها جلسات المقاهي وأخرى قد وجدت في برامج التواصل الاجتماعي مثل التويتر والفيس بوك متنفساً حقيقياً تفرغ به القليل مما تخبئة بداخلها.
 ولنأخذ الأخير كمثال، وهي الوسيلة الأحدث (أقصد هنا برامج التواصل الاجتماعي)، فهي بالمجمل لا تتعدى كونها مجرد "تنفيسه" للمواطن، من ناحية تبحث عن أرضية تختبر بها شعارات الديمقراطية وحرية التعبير، ومن جهة أخرى تسمح للمغرد والقارئ على حد سواء بمساحة "ينفس" بها عن غضبه اتجاه كل مشاكله الخاصة والعامة.
 وقد تكون الغالبية الأكبر في بدايتها مع هذه البرامج واثقة تماماً بأن لا شيء سيتغير من خلال هذه النافذة الالكترونية، ولكن شعبيتها زادت لأن هذه المساحات قد اختلفت عن المنابر الأخرى (السينما، المسرح، الصحافة، قنوات تلفزيونية ,, إلخ) بأنها أعادت له لغته البسيطة، فهو لا يحتاج لتحاليل سياسية موسعة أو أحاديث مهذبه تتحدث باستحياء عن مستقبل يعلم بأنه لن يتغير. هو أراد فقط حروف تعبر عنه، حروف تتحدث بلغته ومنطقه وفلسفته، حروف تسخر من الواقع ببساطة أحاديث المجالس والمقاهي، حروف تشتم المسئولين بمناسبة أو غير مناسبة، حروف يشعر بأنها قريبة منه، ولم ترتدي الكثير من الأقنعة حتى شعر بأنه لا يعرفها. المسألة في المجمل "فلسفة تنفيس"، كلام أختنق بأصحابه ويريد أن يتنفس، ولكن بطريقته وأسلوبه لا أكثر.
 ولكن المشكلة الحقيقة تبدأ حينما تخل الحكومات في قواعد لعبة التنفيس، وتبدأ بالتضييق أكثر حتى في المخرج الوحيد المتاح، حينها فقط يبدأ الناس بشكل عفوي بمراجعة كل ما فاتهم من سنين ويرتفع شعار: أنا الغريق فما خوفي من البلل، وإلى أخر الحكاية التي جميعنا بدأنا نحفظها في العامين الأخيرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق