الصفحة الرئيسية

الأحد، 11 نوفمبر 2012

وما زال في القلب بعض "الثقوب" !!




عجبتني كلمة من كلام الورق
النور شرق من بين حروفها وبرق
حبيت أشيلها فـ قلبي / قالت: حرام
ده أنا كل قلب دخلت فيه = أتحرق (1)

 بعدما تمددت الطائرة المدى، وأكمل المضيفين والمضيفات أكثر من نصف عملهم في هذه الرحلة من ترتيب وتنبيه وإطعام والبحث مع أغلب الراكبين عن تلك الأجوبة التي قد تكون متوفرة أو لا تكون. بدا ممر الطائرة خجولاً بإنارته البسيطة، وحاول الأغلب شغل نفسه بما يستطيع في محاولة جماعية لقتل الانتظار والوقت والمسافة.
 أسندنا ظهورنا إلى الخلف أنا وصديقي في محاولة لتصنع الهدوء، كنا بالفعل قد حلقنا أعلى بكثير من ارتفاع الطائرة، كل واحد منا ذهب إلى حيث أخذته ذكرياته.
تقول نانسي هيوستن (2) : "الذكريات يجب أن نزورها من حين لأخر، يجب أن نغذيها، أن ننعشها، نحكيها للآخرين وإلا تذبل".
 فجأة قال صديقي: "أتعلم، أتمنى بأن يعود والدي لأره وليرى أيضاً أين وصلت وماذا فعلت". وأكمل يحكي بجمال لم أعده من قبل حتى تفاصيل دقيقة من ذكرياته مع والده حينما كان صغيراً، كل ما فعلته أنني أعدت جلستي لمكانها الطبيعي وجعلت نافذة الطائرة خلفي ورأسي مسنوداً عليها لتكون تلك العيون التي غرقت بدمعها أمامي.
 أكمل صديقي حكاياته دون أن يلتفت لي، أنا واثق جداً بأنه لم يكن يكلمني بل كان يحكي لنفسه التي ضاقت من الحنين والأسئلة، كانت روحه تنهمر مع كلماته، وكانت تلك التفاصيل التي يرويها صغيرة جداً ودون أي أهمية، ولكن كان الزمن بين وقت حدوثها ووقتنا هنا رقيقاً جداً لأن العواطف استطاعت أن تتسلل حيث كنا.
 صحيح بأنني أعرف صديقي هذا منذ زمن ليس بقصير، بل وأجزم بأنني أعلم بعض تفاصيل حياته أكثر مما يعرفها هو، ولكن تلك الذكريات كانت جديدة علي ولم يتطرق لها قبلاً بأي شكل من الأشكال. في هذا الوقت وفي هذه اللحظات بالذات كنت قد استمعت إلى أجمل وأصدق (حديث عن الحب) في حياتي.
 صمت طويلاً بعد كلمة (زواجي)، حينما كان يقول: "أتعلم بأنني قد حضنت والدي للمرة الأولى في يوم زواجي !!"، لم يكن وحده الذي سقط في دوامة الذكريات، أنا نفسي قد سقطت في دوامة ترتيب المفاهيم الشعورية بداخلي.
------------------------

 قرأت منذ وقت رواية "أزرق" لـ روسا ريغاس (3)، ولا أعلم بالفعل أيهما شكل خارطتي الشعورية أكثر، هذه الرواية أم موقف صديقي أعلاه، ولكن الأكيد أن كلاهما له دور كبير بهذا. وأعترف بأن كلاهما – الموقف والرواية – قد علماني أشياء لم أكن أنتبه لها، أو لم أكن لأتعلمها دون ذلك الموقف وهذه الرواية.
 تقول روسا: "الحب الذي نتمناه ربما لا يأتي أبداً، فالناس يحبوننا بطريقتهم هم، لا بالأسلوب الذي نريد أن نكون محبوبين فيه"
 قرأت هذا المقطع مراراً، وفكرت كثيراً، لا أبالغ إن قلت بأنني قد فتحت قلبي وبدأت أعدد كل الذين أحببتهم في حياتي السابقة، تفحصت أرواحهم واحداً واحداً، وبدأت أراجع كل ما قلت وما فعلت وما كنت أظنه بهم !!، أغلقت بعدها باب قلبي وتركتهم هناك حيث لا مكان لهم سواه.
 كان ذلك المقطع تجربة كبيرة قد أظن بأنه أعاد ترتيب الكثير من المفاهيم بداخلي، كان تاريخ له ما قبله وفيه ما بعده، كان طريقاً واحداً لا يفهم أبداً معنى الـ Round Trip. هو بالفعل كذلك طريق ما أن تدخل فيه فلا مجال للعودة أبداً.
 تأتي روسا ريغاس في مقطع أخر وتقول: "الوحدة: هي انعدام الشعور بالوجود من أجل أحد"
  أسئلة كثيرة زاحمتني هنا، هي الوحدة إذن، أهو بالفعل الشعور بالعزلة!؟  هل لذلك نحن نحب بالفعل! كي لا نشعر بالوحدة، وهل شعورنا بالوحدة هو الدافع الحقيقي لنا اتجاه هذا الكائن الخرافي المسمى بالحب!، هل الحياة لا تحتمل دونه!؟، ولكن ما هو الحب المقصود والذي نبحث عنه!؟.
 أخذتني الأسئلة إلى تحسس كل ما هو حولي، العائلة !؟ نعم بالفعل فجميعنا هنا نعيش في عالم منفصل، تخيلوا بأننا نقول لبعض: "عاش من شافك" بالرغم من إننا نخرج من نفس الباب يومياً ! ونقول لبعض أحياناً صباح الخير.
 الأصدقاء!؟، في المجمل نرى بعض من أجمل عمل أو للهروب منه، ليس هناك أكثر من أوقات نقضيها للهروب من الروتين، أو نخطط كيف نكسر نفس هذا الروتين الأسبوع المقبل، كلام في العام أو حديث سطحي يجيب عن بعض تساؤلات بعضنا الأخر، لم نجرب أبداً أن نغوص بداخل بعضنا، حتى وإن اعتدنا على تفحص ملامح بعضنا ونكون متيقنين بأن هذا الوجه به ما به، إلا أن كل شخص فينا يقفل على ما بدخله جيداً، والأخر لا يحاول الاقتحام خشية أن يقتحم هو أيضاً!.
 ألهذا نبحث عن الحب؟، لكي نفتح أسوارنا لأحدهم ونقول كل ما نريد دون تردد، أليس كذلك يجب أن يكون الحب؟، أم نبحث عن الحب لنكون عند أحدهم كل معاني (دائرة الاهتمام)، نكون واثقين بأننا كل شيء بالنسبة لأحدهم، لا أعلم حقيقةً ولا أمتلك إجابات محددة، فالعالم كل العالم ملئ بالأسئلة. من يدري؟
 تعود روسا في حديثها عن بطلة روايتها فتقول: "كانت تخاطر بحركتها تلك، محاولة دفع الأمور إلى أقصى حدودها، فهي لا تشعر بالأمان إلا حين تكون متعلقة على حافة الهاوية".

  ربما وأقول ربما هذا بالضبط ما نفعله طوال حياتنا، نظل نبحث عن الأمان ونبحث عن الحب، ولكن كيف يكون هذا الحب هو الهاوية حيث نرمي أنفسها فيه على من فيها!؟. أعتقد بأنها تقصد بأنه هكذا هو الحب، لا أحد يمكنه أن يتنبأ فيه ولا بهويته ولا كيفيته، كل ما يمكنك أن تفعله هو أن تفتح قلبك للريح ولست تدري أي سر يحمله لك القدر.
  






1-    صلاح جاهين – شاعر ورسام وممثل مصري.
2-    روائية كندية المولد، كتبت بالفرنسية وترجمت أعمالها إلى الإنجليزية.
3-    كاتبة وروائية اسبانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق