الصفحة الرئيسية

الاثنين، 1 أبريل 2013

إعترافات (1)





عزيزي ظاهر ،

 أكتب لك بهذه اللحظات بعد دقائق فقط من خروج روحك ناحية باريها، أعلم بأن روحك هذه هي كل ما كنت تملك حتى حينما خانك عقلك، وأعلم أكثر بأن عقولنا هي كل ما تبقى لنا جميعاً بعدما خنا أرواحنا.


 أتعلم عزيزي ظاهر، أنا مثل أولئك الكثيرين الذين يسرفون بإزعاج هذا العالم بمثاليتنا، والمطالبة اللحوحة بكف الأذى عن الآخرين، والتوقف عن الحكم على نواياهم، وكل تلك الشعارات البراقة الجميلة. إلا إنني فعلاً كالآخرين أيضاً أستشعر بلذة لا أستطيع إنكارها إذ ما ارتكب أحدهم خطأ أو وقع في زلة أو هفوة.

 أتخيلك الآن تتساءل: لماذا وأنا أعترف بذنبي لا أشعر بتأنيب الضمير، وهذا فعلاً حقيقي، ألم تلاحظ بأنني كررت بوضوح بأنني كـ "الآخرين"؟.

 أعلم بأن المسألة قد تبدو معقدة قليلاً ولكن مهلاً يا صديقي –أتمنى أن لا تمانع بأن أقحمك بحياتي دون أذنك وأناديك بـ: يا صديقي-، أكتشف فعلاً بأننا نشعر اتجاه أي قضية معينة بالرضا عن النفس والسعادة واحتقار الآخرين، نعم جميع تلك الأحاسيس تأتي مركبة ومتداخلة في نفس اللحظة، فنحن نرضى عن ذاتنا لأن الآخرين يرتكبون نفس الأخطاء التي نرتكبها، وهذا يشعرنا أيضاً بالسعادة، وبنفس الوقت نحن نحتقرهم لأنهم يرتكبون هذه الأخطاء، هي نفسها الأخطاء التي تشعرنا بالسعادة لأن الآخرين يرتكبونها. أتظن بأنني عقدت المسألة أكثر؟، لا عليك، أعلم بأنك في هذه اللحظات مهتم بأمور أخرى أكثر من فهمي.

  أتعلم بأنني أتسائل بهذه الأوقات بماذا تشعر؟، هل أنت غاضب منا؟، لو أنا مكانك لما غضبت أبداً، سأشعر فعلاً بالسعادة لو فارقتكم جميعاً. أم أنت مثلي شعرت بالسعادة؟ إذن لماذا خلفت كل هذا الذنب بداخلنا؟. في العموم هذا كله غير مفيد الآن فأنا أعلم بأنك لن تضيع وقتك في السماء لتراسلني وتجيب على أسئلتي، ولكنني سأضيع وقتاً كثيراً لأراسلك، ولا يهم كثيراً إن قرأت ما أكتب لك حقيقةً، ولكنني أمارس نوع من أنانيتنا البشرية التي أظن بأنك لم تلحظها مؤخراً لأنه تكتيك مزدوج، تتواطأ به العقل والروح معاً لإرضاء النفس، وأنا كما أعلم بأنك فقدت أحدهم منذ زمن طويل.

 فالمجمل أحببت أن أخبرك بأن روحك اليوم قد منحت كل أولئك المتشددين والسياسيين والجلادين والمهزومين والوسواسين والمجرمين شعوراً غريباً بالرضى، وكأن روحك قد أخرجت هذا المجتمع من دائرة الخطأ كالشعرة من العجين، لا أعلم بالضبط لماذا أقمنا حفلة الدم هذه، هل نضحك مع الموت أم نشتم الحياة؟، ولكنني أعلم جيداً بأننا فقدنا الكثير حينما تعدينا على حق الحياة.

 عزيزي ظاهر، أنا فعلاً آسف. أستمتع بخلاصك، ولتصل روحك حيثما تريد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق