الصفحة الرئيسية

الأربعاء، 6 أبريل 2011

فوبيا الذكريات ~ من مذكرات: طفولة لم تكتمل (1)




 المكان: عالم من ضجيج  تدفعني باتجاهه أمي كل صباح يسمى: مدرسة.
 الزمان: الجيل الذي سبق "إني آكل وأشرب"، وأتى من بعد "مع حمد قلم".
 الشخصيات: أنا ومن حولي حينها.
 المرجع: ذاكرتي المتهالكة.


 هامش:
 قد يستغرب الكثيرون بعدما يقحموني قسراً في جدول حياتهم الشخصية، لأكون أحد أولئك الذين يحيطون بهم باسم "صديق" أو خلافه، بأنني ظاهرياً: اجتماعي محترف، ولكن بعد فترة طويلة وأنا أتصدى لجميع غزواتهم الفضولية وسعيهم الدؤوب من أجل اقتحام عالمي الخاص، بـ أنني: وحيد متحفظ حد الهلاك. بالفعل هي كاريزما غريبة دفعني للاعتراف أحياناً لذاتي وبهمس خوفاً من أن أسمعني: بـ أنني حقيقةً في بعض الأوقات ,, لا أعرفني !

مدخل:
من حكمة الخالق سبحانه وتعالى بأنه قد خلق العام كروياً كما هي رؤوسنا، لندرك بأن هذا العام لا يمنحنا أي زاوية من أجل أن نختبئ بها أبداً، والأحلام في رؤوسنا لا تجد سبيلاً للاختباء بعيداً عن اضطهاد تحويرنا وتحريرنا لها، حتى نخرجها مشوهه في نهاية المطاف.
ودائماً علينا أن نفعل هذا وذاك في وسط الحشود كي تتفرج، كما نتفرج نحن في أوقات فراغنا على هذا العالم المستدير، وكيف يتكور الجميع على نفسه. وتستمر الحياة في دورتها، أي كل ما حولنا يتكرر ويعيد نفسه، وكأنني هنا أكتب أحدهم قد مضى، وآخر سوف يأتي.

المشهد الأول:
 في المرة الأولى التي دخلت بها تلك الزنزانة المدعوة "الفصل"، فقد أخذ من يطلق عليه الجميع اسم "المعلم"، بمناداة أسماء الصغار الذين حولي، حتى وصل إلى اسمي وناداه دون أن أرفع يدي (قد أكون وقتها لم أتعرف عليه بعد، وقد يكون ذلك اليوم هو أول لقائي به)، ثم حين انتهى المعلم طلب ممن لم يذكر اسمه بأن يرفع يده، فكنت الوحيد الذي اخذ يحاول أن يتخطى أعلى نقطة يصل إليه إصبعه عالياً، حتى إنني (ولطول ما رفعت يدي علياً)، قد اندمجت قليلاً وأخذت ارسم بأصابعي في الهواء شكل هذا المعلم وهو يتجاهلني.
 أقترب بعدما مل المعلم من رسوماتي على الهواء (قد أكون شوهت المنظر العام للهواء، من يعلم !)، وسألني:
-      ما أسمك ؟
-       أبي يناديني: يا ولد، وأمي تطلق علي: حبيبي، وأختي أيضاً تخالفهم وتقول: أخي. وأخذت أهمس له كمن يبيح بـ سر لأول مرة: ولكنني أفضل بالتأكيد اسم أمي: حبيبي.
 انفجر الفصل حينها ضاحكاً، وأنا لم أبكي أبداً، وأخذت أضحك معهم (فقد كان هذا أول درس تعلمته عن الضحك على المآسي، وأدركت حينها بأنني أمتلك الكثير من الأوجاع التي تصلح كـ نكات يضحك عليها الآخرين، وقررت منذ حينها بأن أجعل منها حرفة أكورها في رأسي المستدير حتى أشوهها، ويضحك الجميع بـ ملامح باهته، وأخذ ثأري من تلك الأوجاع عن طريق استفزازها).
-      استشاط حينها المعلم غضباً، وكشف عن وجهه الحقيقي رافعاً صوتها: ولد !! هل أنت أحمد !؟ (يبدو بأنه الاسم الوحيد الذي تبقى في قائمته التي قرأ منها).
-      نعم، بعض الغرباء يقول لي هذا، ولكنني لم أكن واثقاً منه.
 من يومها والمعلم يمارس هوايته التي كنت استمتع بها دائماً وهو لا يعلم، حينما يحاول أن يضحك الجميع علي، وأنا أساعده كي أتذوق طعم الضحك مع من حولي، وأيضاً كي أكون: اجتماعي محترف، لديه ما يخفي به خصوصياته الذي يجيد طمسها.

حينما عدت إلى المنزل، سألتني أمي عما قمنا به في يومنا الأول في ذلك المبنى الصاخب، فأخبرتها وأنا أضع أذني اليمنى على بطنها، أحاول الاستماع إلى أخي المشاغب الصغير:
-      لا شيء مهم أبداً، فلقد لعبنا وضحكنا كثيراً، (وأكملت دونما أن أرفع رأسي عن بطنها، كـ الذي يتذكر أمراً تافهاً) ثم أخبرني المعلم بأنني لست: حبيبي الذي تقولين، فأنا هناك أحمد كما يزعمون.
وأكملت مستطرداً: حتى الصغار الذين لم يملوا من البكاء منذ الصباح وهم يريدون الخلاص من هذا المبنى المكتظ بالمزعجين، قد توقفوا وشاركونا في الضحك.
-        استنهضت أمي مستعسره، فيما بدأ أخي في إصدار بعض الأصوات التي تشبه القهقهة (وكأنه يضحك مع الجميع حول ما فعلوا بأن اختلقوا لي اسما جديداً) وأخذت تردد بعض أبيات التي اكتشفت لاحقاً بأنها لـ الشاعر صقر النصافي:
دنياك ما خلت مغطا بـ مغطاه ×× نوب تشين إلنا ونوب تزيني
مير أنت بشرني عسى الصبر تقواه ×× سيورهم لو أجنبوا مشمليني

 لاحقاً حينما أرادت أمي وضع أخي ذاك، فقد توفي قبيل خروجه كاملاً إلى الحياة (يبدو بأنه كان طفلاً ذكياً بلا شك، وعارض إقحامه في دنيا لا يريدها)، فبالتأكيد هو لم يكن يشبهني، لأنني واصلت في الذهاب أينما أراد من حولي، ولم أعارض أبداً.

 مخرج:
 الشيء الوحيد الذي يستطيع المصاب بـ مرض "الفشل الكلوي" بأن يفعله من أجل أن يؤخر موعد رحيله عن هذه الدنيا، هو: غسيل الكلى !.
 يا ترى، ما الذي يستطيع ان يفعله المصاب بـ "فشل الذكريات" !؟، هل بالإمكان غسيلها !؟. 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق