الصفحة الرئيسية

الخميس، 3 أكتوبر 2013

أنا أخطئ إذن أنا موجود



 لا شيء أجمل من مقولة ديكارت الشهيرة "أنا أفكر إذن أنا موجود"، إلا مقولة القديس أوغسطينوس بعده "أنا أخطئ إذن أنا موجود". فلقد أستوعب أوغسطين بأن مسألة الخطأ للكائن البشري يجب أن لا تكون أمراً محرجاً أو شيئاً سيئاً بالضرورة، وإنما هي وسيلة للكائن البشري لتصحيح مساره كلما أكتشفها، وأن ذلك الأمر هو محور الوجود البشري، لأننا كبشر نتعامل ونتعاطى مع الأحداث حولنا عكس المعرفة الإلهية التي تحيط علماً بكل شيء، فنحن في الحقيقة كأفراد وفي طبيعتنا لا نمتلك الحقيقة، ولا يجوز أن ندعي اليقين، بل نسعى للإنجاز عبر التجربة.

الخطأ نفسه – في فكرة أوغسطين- عبارة عن مؤشر للعمل، فمن لا يخطئ لا يعمل أساساً، ومن يدعي بأنه يعمل وهو على حق طول الطريق ما زال عالقاً عند الخطأ الأول، فهو لم يستطيع مواجهة هذا الخطأ، أو لم يمنح نفسه وقت لمراجعة تصرفاته وأعماله ليكتشف أين يقع هذا الخطأ نفسه.
 المسألة شائكة قليلاً، ولكن لنبسط الفكرة أكثر، مبدأ أوغسطين يفترض الخطأ هو القاعدة والأساس للوجود البشري، ويرتكز على أن المعرفة البشرية لا تحيط بكل شيء أساساً، وإنما هي نتاج تراكم تجارب ومعرفة سابقة يحللها اللاحقون ويرتكزون عليها بانطلاقة جديدة لا تبدأ من الصفر بكل تأكيد، وإنما تعود لأخر نقطة صحيحة وتتخذ مساراً جديداً، إذن فالخطأ نفسه خيار طبيعي للكائن البشري.
 المشكلة هنا هي حينما يتعلق الأمر بأنفسنا وصعوبة تفهم قابلية الخطأ الشخصي وسعينا الحثيث دائماً لإثبات بأننا على حق، كل ذلك من الأجل الاحساس بالأمان والثقة حتى وإن كانتا زائفتين، ويتجلى هذا الأمر في طريقة حواراتنا ونقاشاتنا مع الآخرين، فمع أول اختلاف يواجهنا مع الطرف الأخر في أي حوار ونقاش فكري، فإننا نفترض مبدئياً بأن الطرف الأخر لا يمتلك المعلومات حول الموضوع التي نمتلكها نحن، وهو الأمر الذي يعرقل تفهمه لوجهة نظرنا التي ندعوه لرؤيتها وكلنا ثقة بأنها الصحيحة بكل تأكيد، وبعد أن نزوده بكل تلك المعلومات ويستمر في خلافه وإصراره على رأيه المخالف فإننا ننتقل إلى الظن بأن هذا الطرف الثاني للأسف هو في حالة غباء صعبة تمنعه من الفهم، فبالرغم من تزويدنا له بكل تلك المعلومات التي نمتلكها فهو ما زال يصر على رأيه الخطأ!، وحينما نكون متأكدين بأن الطرف الثاني أكثر ذكاء وأقل من نصفه بالغباء ننتقل مباشرة إلى مسألة "نظريات المؤامرة" والدوافع الشيطانية التي تمنعه من الاعتراف بالحقيقة وتجبره على الإصرار على موقفه ورأيه.
 السؤال هنا: لماذا لم نفترض خلال كل تلك المراحل من هذا الحوار والنقاش بأننا (قد) نكون نحن على خطأ، أليس الخطأ فطرة بشرية طبيعية قد تصيبنا، لماذا نطالب الآخرين دائماً بأن ينظروا للعالم من زاويتنا فقط، ولماذا لا نستمع لكيفية رؤيتهم للعالم من زاويتهم هم، أليس منطقياً أن تكون تلك الزاوية تناسبنا أكثر ولكننا لم نسمح لأنفسنا بأن نرى من خلالها؟.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق