الصفحة الرئيسية

السبت، 5 أكتوبر 2013

الترجمة خيانة جميلة للنص


 الجميع يتفق بأن حجم أعمال الترجمة إلى العربية مقارنة مع حجم الانتاج السنوى العالمي يعتبر رقم في أكثر الاوصاف تفاؤلاً هو رقم هامشي، إذ تتفق جميع الدراسات بأن ما يتم ترجمة سنوياً إلى العربية من حجم الانتاج العالمي للكلمة يعتبر رقماً متواضعاً جداً، بل ولا يتعدى ما نسبته 1 إلى 3 في المائة في أحسن أحاوله.

 ولكن من جهة أخرى، فأنه لا يجوز أبداً وبتحريض من مثل هذه الإحصائيات أن تُظلم المكتبة العربية بترجمات أدبية في ألطف وصف لها بأنها لا تليق، إذ من الواجب التنبيه دائماً بأن الترجمة العامة لها مقوماتها ومتطلباتها التي تتطلبها من المترجم، وهي تشترك بذلك مع الترجمة الأدبية بكل تأكيد، ولكن هذه المقومات والمتطلبات لا تفي لإتمام الترجمة الأدبية، وذلك لأن الترجمة الأدبية لها معاييرها الخاصة التي تنفرد بها أكثر، وهو ما يدفعنا للقول بأن ليس كل مترجم قادر على التعامل مع النص الأدبي، إذ للنصوص الأدبية معايير خاصة وبنى لغوية وفنية وسياقات لا تستطيع الترجمة العامة احتوائها، كما أن النص الأدبي يحمل في داخله شحنة جمالية تعتبر جزء من مضمونه، ولن يستطيع المترجم العام فهم واحتواء وتطبيق ترجمة مناسبة لهذه الشحنة إن لم يكن أديباً في الدرجة الأولى، أو متذوقاً للأدب على الأقل.
 في المجمل نستطيع القول بأن الترجمة الأدبية في أحد جوانبها تعتبر تجاوب كلي أو لقاء عاطفي بين المترجم والنص، إذ لا يكفي أن يكون المترجم ممتازاً في فهم اللغة فقط كي يوفق في نقل الأعمال الأدبية إلى لغة أخرى، ولكنه في حاجة على الأقل إلى جزء من موهبة الفنان المبدع الذي أنتج النص الأصلي، كي يستطيع المترجم بدوره إلى أن يبدع في نفس النص ولكن بلغة الترجمة الجديدة، وهذه الإجادة تستلزم توفر مستوى فني عالي من أجل إجادة رسم الصور الأدبية في لغة جديدة حتى يصل إلى الحد الذي يجعلنا ننبهر بها ونشعر من خلال ترجمته إلى تلك المشاعر التي عانى فنانها الأصلي في رسمها داخل نصه في اللغة الأولى.
 ووفقاً لما سبق، فبإمكاننا حتماً أن نقول بأن الترجمة الأدبية في شكلها الأكمل هو عمل فني موازي للإنتاج الفني المترجم، وكعادة الأعمال الفنية في المجمل، فإنها تستلزم توفر عنصر الإبداع بها، ولعل أحد أهم التعريفات التي تصب في هذا الاتجاه هو التعريف القائل "الترجمة هي تأويل نص لغوي بكلام من غير لغته". ولكن إذا كان المترجم وفقاً لهذا التعريف هو مؤول للنص، إذاً فهو يحتل مكاناً أساساً في النسخة المترجمة بلغة جديدة، وبالإمكان اعتباره أحد أركان النص المترجم ومبدعيه. ولكن السؤال هنا: هل يحق للمترجم وفقاً لهذه المكانه في النص المترجم الجديد أن يضفي عليه من ذاته وفق فهمه الخاص للنص الأساسي؟، أو إلى أي حد يحق للمترجم أن يضفي من ذاته على النص؟. ولعل هذه الأسئلة تضعنا وجهاً لوجه أمام تعريفين للترجمة متضادين في المعنى وهما أحد أهم إشكاليات فهم أساسيات الترجمة الأدبية في وقتنا الراهن، إذ يقول التعريف الأول "المترجم ملزم باحترام العناصر التي اختارها الكاتب الأصلي، كما أنه لا يسمح له أن يترك بصماته الذاتية على العمل الذي يقوم بترجمته"، وبنفس الوقت يأتي التعريف الأخر ليقول "يتسم موقف المترجم من النص بالذاتية، وينبغي عليه أن يترك بصماته الخاصة على النص، شأنه في ذلك شأن الفنان المبدع تماماً، وبالتالي لا بد أن يتمتع المترجم بقدر من الحرية أمام النص الذي يترجمه، فحتى إذا راعى الدقة، فباستطاعته التصرف في النص الأصلي بطريقة ما، حذف شيء هنا وإضافة شيء هناك، بل وباستطاعته أيضاً إعادة كتابة النص في صياغة جديدة، دون أن تترتب على ذلك أي آثار سلبية". وهنا نحن فعلاً أمام تعريفين متناقضين تماماً، ولكن لو نسبنا الأول إلى الترجمة العامة والأخر للترجمة الأدبية، فإننا وبصحبة التعريف الثاني نجد أنفسنا أقرب إلى ما يقودنا ناحية الحقل الإبداعي.
ولعل أهم ما يقودنا لناحية الاعتقاد بأن التعريف الثاني هو الأنسب للترجمة الأدبية، إذ أن أسوأ ما يقوم به المترجم الأدبي هو محاكاة بناء العبارات في النص المصدر، وبالتأكيد الكثير منا واجه مثل تلك الأعمال المشوهه التي التزم مترجمها بشكل وعناصر النص الأصلي، إلى حين أن وصل إلى أنتاج مولود جديد مسخ لا يمت إلى روح العمل الأصلي بأي علاقة سوى الشكل العام.
 ويجب التنويه هنا، إلى ضرورة عدم الخلط بين الأمانة في الترجمة والحرفية في الترجمة، فالأمانة تتطلب نقل النص روحاً ومعنى وصدقاً وتعبيرا، أي أن يكون النص المترجم هو المعادل الموضوعي للنص الأصلي، وأن ينسجم الانتاج المترجم مع النص الأصلي قلباً وقالباً، وليس قالباً فقط. إذ أن مسألة إدراك المعنى الذي يقصده الكاتب تعادل بأهميتها شكل النص الأساسي وما قد تتطلبه هذه العملية من إعادة ترميم الشكل الكتابي الأساسي، ولا يعتبر خيانة للنص الأصلي. ولعل مهارة التفريق بين الوقت المناسب للالتزام بالنص الاساسي التزاماً حرفياً، ومتى وكيف ولماذا يخرج عنه، هو أحد أهم العناصر الفنية التي يجب توافرها بالمترجم الأدبي. فالمترجم الأدبي هو أيضاً مستمع يقظ وقارئ واسع الإطلاع في الضرورة، وأيضاً هو الجسر الذي يصل القارئ والكاتب من خلاله فوق تلك الفجوة الثقافية والحضارية.
 وختاماً لا بد أن نعترف بحقيقة أن المترجم عنصر مظلوم في الغالب داخل الأعمال المترجمة، إذ لو أنه أجاد فهذا يعتبر واجب فقط وتعود كامل العملية الإبداعية في اللغة الجديدة للنص إلى صاحب العمل الأصلي فقط، دون أي نسبة فضل لذلك الذي أستطاع أن يستأصل العمل من بيئته الأم وأعاد زراعتها في بيئة مختلفة أخرى بنفس الجودة، وأما ولو أخفق فهو الملام الأول والأخير، ولا أحد يدرك فعلاً حجم المعاناة التي يعانيها المترجم وهو يتعامل مع النص.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق