الصفحة الرئيسية

الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

إعترافات (3)



 مرحبا ظاهر،

 هل أتاك نبأ هذه المدينة، سأفترض بأن الجواب هو لا، فلا أود فعلاً التخيل بأن حتى في الخلاص الأخير سنكون ملازمين لهذه المدينة أيضاً ونستطلع أخبارها. لا عليك، سأخبرك حتى لو لم ترغب بالمعرفة، فأنا أهرب منها إليك كمديناً ليس لديه نية السداد.

 لتعلم إذن بأننا هنا لم نعد نسأل "لماذا"، كلنا حزمنا حقائبنا لنواحي أخرى، انقسمنا فريقين فقط، لم نعد نستطيع هضم خيارات أخرى، الثنائيات بدت لنا أسهل، أما مع أو ضد، أما صديقي أو عدوي، أما الأبيض أو الأسود، وكأن الأرض من تحتنا وقعت ولم يعد هناك سوى قمتين، أما أن تستمسك بأحدهما أو تسقط مع الأرض ناحية الغباء والجنون والسخافة وكل تلك المنافي البعيدة التي نرمي إليها التافهين المعلقين بالوسط.
 مع أن الجواب يا صديقي لذلك السؤال قد يأتي على اشكال عديدة، جميعها تمنحنا شيئاً من وعي، فمثلاً قد يأتي الجواب على هيئة سياسي خلع معطف شعاراته عند أول بوابة سمحت له بالعبور رفقة مكاسبه الجديدة، وقد يأتي الجواب على هيئة رجل دين كفر بالترغيب والحوار والإقناع وآمن بالوعيد والتهديد والاتهام، وقد يأتي الجواب على هيئة ثائر حطم قيد الاقصاء وصنع أخر لمن تجرأ وأعلن اختلافه معه، أو أن يأتي الجواب حتى على هيئة مطر يدعونا لنصحو ونحن نصر على النوم من أجل حلم يصنف ذات المطر "هنا" بالرحمة و"هناك" بالغضب الإلهي.
 والآخرين يا ظاهر هو العذر الأكثر رواجاً هنا اليوم، لم نعد نعتد بأنفسنا أبداً، وسارتر اللئيم هو شماعة هذا الانتحار. الآخرين بدلاً من أن يكونوا سبباً للاضطهاد الاجتماعي واعتقال للخيارات الشخصية وقتل للأحلام الفردية. عذر الآخرين القبيح الذي يطوعنا دائماً لخياراتهم أعدنا تدويره وليأتي على هيئة (خياراتنا الشخصية هي ما يجب عليهم أن يلتزموا به)، وفي أحيان أخرى أصبح عذر الآخرين يأتي على هيئة (ولماذا هم لا).
 قادر على أن تتخيل من مكانك في السماء يا صديقي ما أحاول أن أقوله هنا، نعم لتضحك، ولم لا.




 *اللوحة للفنان الكويتي أحمد بودهام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق