الصفحة الرئيسية

الخميس، 19 سبتمبر 2013

إعترافات (2)




عزيزي ظاهر ،

 أعلم جيداً بأنني وعدتك بالكتابة لك كثيراً، ولكن كعادتنا في هذا المجتمع -كما تعلم- أكثر ما نطلقه الوعود، وأقل من أن نوفي بها أو نتذكرها أساساً، ولا أعلم حقاً هل الذين مثلك يعذرون بعد كل ما فعلنا بهم، أظنكم تفعلون دائماً، وهذا قد يكون أحد أسباب تمادينا معكم، لا يهم.
 هل توافقني يا صديقي بأننا هنا وبكل سذاجة تحكمنا طقوس الأخرين؟، فلو دققنا فعلاً في تصرفات هذا الساذج –المجتمع- الذي يحاصرنا من كل اتجاه لوجدناه متناقض لدرجة سخيفة، هو في المجمل يسمح بما أعتاده الأكثرية، ولا تهم مقاييس الصواب والخطأ في المسألة، نعم هكذا بكل بساطة، فالحرام هنا قد يكون عيباً مخففاً أن مارسه ذلك الأغلب بالخفاء، وما أن يظهر على العلن حتى تقام حفلة الشرف من الأغلب نفسه!، أظنك توافقني بأن المنطقي الوحيد هنا هي كفاءة الشخص بالإبقاء على زلاته خفية، وليست الزلة نفسها.
 أتعلم يا ظاهر، أنا لست استثناء في معادلة الخطايا والمزايا، فلست قدوة تتبع، ولست خطأ شائع يتكرر، أنا كما هو أنت مجرد انسان، نخطئ ونصيب، عمداً وسهواً، وهذه هي الحقيقة، كل ما نحتاجه هو القليل من السلام فقط، حتى لو كان يسلك طريق ذلك الأغلب، لنستطيع المضي قدماً بطرق النجاة التي نحاول أن نهرب من خلالها دون أن نرتبك عند كل مفترق طرق "أين ذاك الطريق الذي لا يعيدني للنقطة الأولى؟".
 تباً يا ظاهر، لا أعلم فعلاً هل كبرت هذه المدينة بسرعة، أم نحن ما زلنا صغاراً؟. فخطبة الجمعة التي كانت الخطاب السياسي الوحيد الذي نعرفه، أصبح اليوم في وضعية دفاع ضد كل أولئك السياسيين بداخله وخارجه، ومشهد قصة شعر أخي الصغير الغريبة الذي كان يعتبر أكثر المشاهد الحداثية التي تثير تقليدية والدي لم يعد مستفزاً، أصبح الصراع الحداثي/التقليدي أكثر قسوة اليوم، المصيبة يا صديقي بأن رجاحة الفكرة لم تعد مهمة اليوم، الأهم هو نزاهة حاملها وفق معايير الأغلب نفسه. تباً لاستبداد الأغلبية في كل مكان.
 أفكر أحياناً بأن هذه المدينة بدأت فعلاً بقطف ثمار بلوغها، ولا ضحية للبلوغ أكثر من البراءة، صدقني أن قلت لك يا ظاهر بأن الأقدام التي تمنحهم لي أمي كل مساء لا تقويان على حملي، ولا أحلام أبي أصبحت قادرة أن تسعفني أو تسعفه لمجاراة هذا الواقع. هذه المدينة أصبحت لا تقبل القسمة على اثنين، الجميع تمركز كلغم ينتظر أن يدوس عليه الأخر.

كيف أنجو يا صديقي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق