الصفحة الرئيسية

الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

عروس الأسئلة


 السؤال الجيد دائماً ما يزحزح الأفكار الجامدة ويهز القناعات السائدة، والإنسان دائماً ما يحتاج لسؤال من هذا النوع في مرحلة معينة من حياته ليكتشف نفسه ويحدد شخصيته، يحتاج لسؤال جيد لزحزحة كل تلك الأفكار الجامدة التي تكاد تخنقه ومن أجل أن ينقذه هذا السؤال من الغرق مع القناعات السائدة، وهذا بالضبط ما تحثنا إليه روايتنا هذه.

 في أول قراءتك لرواية بثينة العيسى "عروس المطر" والصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2006، سينتابك سؤال يواجه كم الأسئلة التي تغرسها بك الكاتبة باحترافية: ماذا تريد أن تقول؟، فالوضع مشتت بين أسماء –بطلة الرواية- وأسامة شقيقها التوأم والمعلمة حصة، وهم الشخصيات الثلاثة الأبرز في العمل.
 المفاجأة ستأتي سعيدة وجميلة فقط مع أخر حرف من هذا العمل، هناك حيث يزال الستار بشكل كامل عن اللوحة، وتجتمع جميع القطع في مخيلتك كقارئ لتكتشف بأنك كنت تغوص عميقاً داخل هذا العمل ونجوت دون أن تشعر.
 بثينة العيسى في عملها هذا "عروس المطر" كانت في رحلة نفسية من خلال "أسماء" لاكتشاف الذات، رحلة بين مرحلة المراهقة والنضوج، رحلة تكوين معالم شخصية إنسانية بكافة جوانبها، حتى الإشارات في مطلع كل فصل من الفصول الأربعة (الهواء، التراب، الماء، النار) كانت تشير بشكل فلكي ناحية العناصر الأربعة التي تنتمي لها جميع الأبراج الكونية، كانت توضح ذلك التكوين.
 أسماء: هي السؤال الأكبر، هي ثنائية العقل المنطلق والمحيط الذي يجرها جراً ناحية النموذج المعلب، أسامة "الوهم": هو الجانب المشرق من شخصية أسماء، هو الأخر الذي يدعونا للنجاة دوماً ولكننا لا ننتبه له، المعلمة حصة: هي دهشة الطفولة، الانبهار المزيف، الجانب المحبط الكئيب داخل كل شخص منا. من خلال هذه الثلاثية الرمزية استطاعت بثينة العيسى أن تتمرد بغضب على كل عادات التعليب التي تمارس ضد الفرد بشكل عام، وضد تلك الحياة الجامدة الخالية من أي عواطف.
 البعثرة والشتات في البدايات هو إشارة إلى شخصية أسماء المفقودة، إلى روحها المهزوزة، وذلك (الحضور الجنين) الذي أنبعث داخلها مع أول سؤال طرحته وانهمر بعده شلال الأسئلة. حينما تتخطى الربع الأول ستجد أسماء نفسها تقييم ما حولها، التفكك الأسري الذي قطعها أجزاء، وروحها التي تتأرجح بين جانبي شخصيتها، المشرق "أسامة" والمظلم/المحبط "أبله حصة"، بين (الجذور الجحيم، والمضي داخله كعقوبة). وأما أن تتخطى المنتصف حتى تجد أسماء نفسها أمام كل شيء مزيف كان يحيطها وجهاً لوجه، الأنا المنهزمة، والمجتمع المتغطرس السطحي الذي دائماً ما يكون على عجلة من أمره، لا يسأل أبداً ما المشكلة؟ ولكن يوفر الأجوبة الجاهزة التي لا تروي عطشاً ولا تفتح أي باب من اليقين، تجد أسماء نفسها في (سفر الثورة، لتغرس أسئلتها بنفسها حينما حان وقتها). حتى تصل أسماء في الربع الأخير من الراوية إلى ذاتها، تتمكن أخيراً من الرؤية بوضوح لتستنشق رائحة (شهوة الغنوص، وتعيش بدايات ميلاد شخصيتها).
 تطرقت رواية عروس المطر أيضاً للعديد من المشاكل الاجتماعية بطريقة جميلة، وتضع العديد من الأسئلة أمام النفس والمجتمع، أسئلة عن جدوى طرق الزواج التقليدية، وحفلات الأعراس، عن الابتزاز الإعلامي والحلول السطحية لعلاج الجسد لا الروح، وكيف هذه الأخيرة تخلق كائناً مشوهاً تائهاً بين ما بداخله وما يبدو عليه.
 اللقاء الثاني مع قلم بثينة العيسى من بعد روايتها الأخيرة "عائشة تنزل إلى العالم السفلي" كان أكثر دهشة، وأعترف بأنني أميل لإصدار عام 2006، لأنه أعمق تأثيراً وأكثر إبداعاً عما يبدو عليه للوهلة الأولى. 

نشرت في "عالم اليوم" الكويتية - 17 أبريل 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق