الصفحة الرئيسية

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

عائشة تأخذك لترى العالم بشكل أوضح





أنا عائشة، سأموت بعد سبعة أيام، وحتى ذلك الحين قررت أن أكتب.

هكذا هي صدمة البداية في رواية بثينة العيسى (عائشة تنزل إلى العالم السفلي)، حيث تطل بطلة الرواية (عائشة) قبل الذكرى الرابعة لوفاة صغيرها (عزيز)، وهي تنوي أن تكتب حزنها عبر رسم مرارة الفقد على شكل حروف. عائشة أرادت كتابة تشبهها، تستطيع أن تصور مدى عمق جرحها على وفاة صغيرها.

أو هي بالفعل أرادت أن تبحث عما تبقى منها بعدما أهملت كل اتجاهات الحياة لتركز على طريق الحقيقة الوحيدة التي آمنت بها وهو الموت. أو أرادت بعد أكثر من ثلاثة سنوات أن تواجه مأساتها للبحث عن نفسها التي ضاعت بين دروب العائلة المهملة وممرات الأمومة الناقصة. تقول عائشة في حديثها لزوجها عدنان بعد موتها الأول: «لقد عرفت يومها بأنه الموت هو وطن الروح، بأنه المكان الذي أتينا منه قبل أن نكون، وان عودتنا إليه ميمونة وحميدة. الحياة دائرة يا عدنان وهذه الدائرة عندما تكتمل، عندما تنغلق على ذاتها، تشعر بأنك في سلام». تتعمد عائشة خلال كتابتها الأخيرة بأن تلفت النظر إلى حقيقة الموت، بل وتسعى إلى إزالة جميع مشاعر الخشية والخوف التي تغلف هذا الموضوع عادةً. هي تقتحم الفكرة ولا تدور حولها فقط، كون المسألة حقيقة نؤمن بها جميعنا ولكننا في الوقت ذاته نخشى التقرب منها
بل وإن عائشة لا تشير إلى الموت فقط وتقول لك كقارئ: اذهب إلى هناك وحدك. هي بشكل عملي تأخذ بيدك في رحلة داخل نفسك – بعد أن تستخدم سلاح الشك وتغرسه بداخلك في البداية – وتقودك نحو اليقين الذي تستطيع من خلاله مواجه هذا الخوف والتغلب عليه.

"قل لي من أنت وما هي أغنيتك؟ أقول لك أي عالم هذا الذي تساهم في بنائه، كلنا بناؤون، مهما أمعنا في الهدم". من يلاحق يوميات عائشة سيدرك بأن المسألة بمجملها هي (الرغبة). الرغبة في الحياة تمنح الحياة، والرغبة في الموت تمنح الموت، ماذا تريده أنت هو ما ستظهر عليه وتُمنح على شاكلته. وغير ذلك، فقد استطاعت الكاتبة بأن تختلس لنفسها مساحات أكبر عبر الأسئلة، أرسلت عبرها الكثير من الانتقادات للنفس والمجتمع. مثل الأمومة والتهيئة النفسية لها من ناحية المرأة، وكذلك لفت نظر الرجل إلى ذلك العالم التي تكابد به حواء، وما تحتاج إليه من مساندة وحضور. مشكلة الزواج نفسه، بين فرضه بطرق تقليدية، أو ما يأتي بعده من مشكلات بين الزوجين، والكثير من الروتينيات والمسلمات المفروضة على واقعنا تحت ذريعة العادات والتقاليد وقيودها التي تختلق مثل تلك المشكلات.
كان واضحا بأن العمل قد استغرق جهدا كبيرا من البحث، فبخلاف قيمتها كرواية فأنك كقارئ ستكتسب الكثير من المعرفة، وقد يصعب هذا الأمر من عملية القراءة قليلا ولكنك سترتشف طعم المعلومة الجديدة كثيرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق