الصفحة الرئيسية

الخميس، 5 سبتمبر 2013

مفترق طرق



أمير آغا كان فعلاً يحتاج إلى حدث كبير مثل تركه لسان فرانسيسكو والعودة عبر خطر أفغانستان لإنقاذ أبن أخيه حسان كي يثبت بأنه فعلاً ما زال شخصاً جيداً، أو بالإمكان له أن يكون هذا الشخص الجيد. حدث يختاره لا أن يجبر عليه. في المقابل، فنحن بحاجة لقدر كبير من التفهم كي نتصالح مع خيارات أمير آغا مثلاً، ليس لأننا أفضل، ولكن لأننا نقارن خيارات من حولنا في الغالب مع النموذج المفترض/الحلم، نترك خياراتنا الشخصية الحقيقية جانباً، وننصب أنفسنا قضاة المدينة الفاضلة لنحكم فقط على الآخرين.
 الحياة أساساً ليست مكاناً سهلاً للعيش، فكيف لها أن تكون طرفاً محايداً في مراحل مواجهة الشخص لخياراته. تلك الخيارات التي توقف الزمن في لحظة وتهمس بأذنك ساخرة: "حدد، أي طريق تريد الذهاب". فما قبل تلك اللحظات الحاسمة لا يشبه أبداً ما بعدها. وهذا بالفعل ما أكتشفه أمير متأخراً، كل شيء كان كما يجب ذلك اليوم البعيد، أخر طائرة واجهت طائرته تتهادى بعيداً بلا تحكم، أباه يقف من فوق سطح منزله يصفق ويهلل له، حسان صديق العمر يترك جملة "لأجلك، ألف مرة ومرة" ويركض خلف جائزته الأخرى. كل شيء كان كما يجب عليه أن يكون، ولكن القدر أختار تلك اللحظة ذاتها ليختبر خيارات أمير.



 في الجهة الأخرى من العالم، والتر وايت كان هو الأخر بحاجة لحدث كبير أيضاً كي يثبت بأنه فعلاً شخص جيد، حتى لو لم يبقى بعد اليوم مدرس الكيمياء فقط، حتى لو استمرت حياته وهو صانع المخدرات. ولكن حدثاً بحجم دهسه للمروجين الذين قتلا الطفل، وبصدد قتل صديقه جيسي، كان كفيلاً بأن يعزز بداخله "أنا شخص جيد، ولكن الحياة فعلاً صعبة، وخياراتي أتت كما فرض علي لا كما أريد".
 قد لا تتفهم سكايلر بأن زوجها الذي يواجه الموت قريباً قد أختار ما هو أنفع لها ولأبنه المعاق والأخر الجديد الذي لا يعلم أن كان سيراه يمشي خطواته الأولى أو لا، أختار ما يجب عليه أن يكون لأنه علم جيداً بأن الحياة لن ترأف بهم كما كانت قاسية عليه. نحن هنا في الجانب البعيد نحتاج مرة اخرى لقدر كبيرة من التفهم كي نرى بواقعية حقيقة خيارات والتر، نحتاج حدثاً ضخم مثل حادثة الدهس تلك لنتذكر بأن مواقف مثل هذه هي التي تبين ما نحن عليه فعلاً، لا ما أخذتنا إليه خيارات الحياة لنستطيع مسايرتها بها.


 حادثتي أمير في رواية عداء الطائرة الورقية، ووالتر في مسلسل Breaking bad، تمنحنا نافذة لنرى من خلالها شيئاً: نعم جميعنا نحب، ونحب كثيراً، ولكن قد يدرك بعضنا في لحظة ما، لحظة قاسية فعلاً، أن ذلك ليس كافياً، وأن المشكلة تكمن بأننا نكبر، وكلما كبرنا تصبح الحياة أكثر تعقيداً، والتجارب تزداد تشابكاً، دهشة الأشياء الأولى تبتعد، وتصبح الصورة أقل شاعرية وأكثر غلظة، هذا صعب على من يحب، فعلاً صعب، ولكنها قواعد المراحل المتقدمة من الحياة، في تلك اللحظة التي يدرك بعضنا هذا سيجد نفسه قد تاه في شوارع كثيرة، وسيحاول بأي طريقة أن يغير هذا الواقع.

 صورة أمير برفقة حسان وأمام نظر والده ورحيم خان في نهاية ذلك الشتاء الأفغاني الجميل، صورة والتر برفقة زوجته وأبنه ظهيرة يوم هادئ ودافئ، تلك اللحظات الساحرة التي نتذكرها جميعاً عن حياة لنا كانت موجودة يوماً. جميعنا –أنا وأنت وأمير ووالتر- نتمنى لو الزمن توقف عند تلك اللحظات الجميلة، فقط يتوقف هكذا ولا نتقدم أو نُختبر من خلال خيارات أخرى، كم ستكون فعلاً الحياة أسهل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق