الصفحة الرئيسية

الأحد، 22 سبتمبر 2013

وجدة




 شاءت الأقدار بأن يكون الفيلم السعودي الطويل الأول الذي يصور كاملاً داخل السعودية هو من تأليف وإنتاج امرأة، وهي المتألقة هيفاء المنصور. وطبيعي جداً أن أول ما تتطرق له المرأة في مجتمع محافظ مثل المجتمع السعودي هي قضايا المرأة نفسها، وهذا بالفعل ما حدث في الفيلم "وجدة ~ Wadjda"، حيث كان هو القضية الأكبر داخل هذا الانتاج السينمائي، وهو بالفعل الصوت الأعلى.

وهنا سأحاول تسليط الضوء على بعض المشاكل التي تناولها الفيلم من منظور شخصي، في دعوة للجميع لمشاهدته ودعمه:

الطفولة
 في كل المدن التي تتزاحم بها مشكلات الكبار وتتراص بطريقة تختنق بها المساحات المتوفرة، فبكل تأكيد لا تجد الطفولة أي فسحة كي تغرس أحلامها بها، بل لا يتبقى سوى رأس هذه الطفولة ليتسابق عليها الكبار أنفسهم كلٌ يريد غرس رغباته وكذلك غرس الحقيقة كما يريدها أن تكون بداخلها.
 ونجد ذلك في مشهد الأبله حصة مع وجدة، حينما استدعتها للشهادة بحداثة حصلت أمام وجدة في المدرسة، وقبل دخول الفتاتين، تقول مديرة المدرسة الأبله حصه لوجدة "أنتي تذكريني بنفسي"، في لحضه خاطفة تبيح حصة بذكرياتها عن شكل التمرد التي كانت تمارسه في طفولتها، ولكن سرعان ما تختفي هذه اللحظة لنشاهد كيف صنع هذا المجتمع من حصة نفسها، فهي التي تمارس دور عامل التعليب في شكل وسلوك هؤلاء الأطفال لتنتجهم على الشكل المطابق للمواصفات التي أرادها هذا المجتمع.
 ولابد أن لا نغفل علاقة الطفلة وجدة مع عبدالله، وصراع أحلام طفولتهم البريئة مع كل جدران الممنوعات التي فرضها المجتمع حولهم، وكذلك مسألة اقتلاع تصرفاتهم من حقل الطفولة ومحاسبتها ضمن قواعد أحكام الكبار، وهي جميعها أمور حاول تناولها الفيلم بطرق عديدة وقوالب هادئة ومميزة.

ترتيب المرأة داخل السلم الاجتماعي
 في الشكل العام لأي مجتمع تجد دائماً بأن هناك ترتيب للطبقات الاجتماعية بداخله، فبعضها يحتل القمة وآخرون متمسكين بذيل الترتيب حتى لا يلفظهم السباق نفسه داخل هذا المجتمع، والمعطيات تختلف بين مجتمع وأخر لاحتلال المراكز في سلم هذا الترتيب، فهناك قد يكون المستوى التعليمي، الجينات، المستوى المادي، الجنس، الديانة، وإلى أخر هذه القائمة الطويلة.
 ما طرحه فيلم وجدة في أحد مشاهده هو سؤال عن حقيقة شكل هذا الترتيب بين فئتين داخل المجتمع، قد يكون شكلها الظاهري واضح في تسمية هذا الترتيب، ولكن السؤال المطروح: من هو فعلياً وعملياً يتمركز أسفل الترتيب بينهم؟.
ففي مشهد أم وجدة وهي معلمة تعمل في مدرسة بعيدة عن موقع سكنها، والسائق الأسيوي الذي يعمل على توصيل أم وجدة وباقي المعلمات من وإلى مدارسهن، فبالشكل العام سيقول الكثير في بديهية بأن بالتأكيد أم وجدة وهي المواطنة تقع في ترتيب أفضل من الوافد العامل بأجر زهيد. ولكن لنتابع المشهد كما تم، تتصل الأم بالسائق بعصبية وتعترض على أسلوبه في التذمر الدائم وفرضه لشروط أكثر مرة تلو الأخرى، لتصل بقولها "غداً سأجد ألف سائق غيرك"، وتغلق الهاتف، في اليوم التالي تجلس أم وجدة تتكلم مع مديرتها بالمدرسة هاتفياً معتذرة عن عدم قدرتها على الذهاب للالتحاق بعملها بسبب مشكلة المواصلات!. والسؤال هنا ثانية: من هو فعلاً يقبع في أسفل الترتيب لهذا السلم الاجتماعي داخل المجتمع؟.



تكافؤ فرص
 في الكثير من المشاهد هناك تركيز على مسألة دوران حياة المرأة في المجتمع السعودي حول الرجل بصفة أساسية، كأنها خلقت لتكون قمراً يدور على هذا الكوكب المستقل والمسمى ذكراً، فلا طموحات مشروعة بعيداً عنه، ولا أهداف ممكنة تخلو من اسمه ضمن خططها، وعلاقة أبوين وجدة مثال واضح لهذه الجزئية، فهي ترفض كل الفرص المتاحة لها مهنياً من أجل رغبات شخصية له، وهو يرضخ أيضاً بالنهاية لسلطة أكبر منه وهو المجتمع ويتزوج بأخرى ضد رغبته.
عندما حاول عبدالله صديق وجدة أن يواسيها مرة، تقول له وجدة: "حينما أحصل على دراجتي وأسبقك بها، حينها سنتعادل فقط"، إشارة لطيفة لعدم تكافؤ الفرص بين الجنسين، في حين أن الجميع يطالب كلا الجنسين بالمنافسة وفق الامكانيات المتاحة له طبعاً!، أي كأن هذا المجتمع يطالب بين الصحيح والأعرج السباق، وبالأخير يكرم الصحيح لقدرته على سبق الأعرج ويلوم الخاسر أيضاً.
 ولكن هنا بالذات، قد تكون هيفاء المنصور –مؤلفة ومخرجة- هذا العمل الجميل قد حسمت السباق داخل السينما السعودية في جولته الأولى ناحية بنات جنسها، وهي فعلاً تستحق، رغم كل مرت به خلال هذه التجربة.

 دعوة لمراجعة النفس
 في الكثير من المشاهد كان العمل يحاول إثارتها بمواجهة المجتمع الذي غطى نفسه برداء الدين كما يرى ويظن، ولكن بطريقة تبتعد كل البعد عن الاستفزاز والمواجهة المباشرة والدخول في جدل عقيم قد لا يصل في الغالب إلى أي نتيجة، وقد يتجلى ذلك بنصيحة لمراجع الجميع لأنفسهم، نصيحة بلغة يفهمها هذا المجتمع جيداً، وهو ما قرأته وجدة في نهاية مسابقة حفظ القرآن، وهي آيات تم اختيارها بعناية، ورسالة للجميع من كل الاطراف، ولكل من يحاول أن يشد الحبل من جهته أكثر ظناً بأنه هذا هو العمل الصحيح.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق